أول ما عليه تصحيحُ النية وتحقيقُ الإخلاص والحذر من قصدِ التوصُّل إلى شىء من أغراض الدنيا ويسألُ الله تعالى التيسير والتوفيق ويأخذُ نَفْسَه بالأخلاق الجميلةِ والآداب المَرْضِيَّة قال سفيان الثورى ما أعلم عملاً أفضل من طلب الحديث لمن أرَاد الله به .
فصل يُسْتَحَبُّ أن يُبَكَّر بإسماع الصغير فى أول زمان يصحُّ سماعه وأما الاشتغال بكَتْب الحديث وتقييده فمن حين يتأهلُ لذلك ويختلف باختلاف الأشخاص فإذا أخذ فيه فَلْيُشَمِّر ويَغْتَنِمْ مدة إمكانه ويبدأ بالسماع من أسْنَدِ شُيوخ مِصْرِه وأرجَحِهم علمًا وشهرة ودينًا وغير ذلك وإذا فرغ من سماع المهمات ببلده فَلْيَرْحَلْ فى الطلب قال إبراهيم بن أدهم رضى الله عنه إن الله يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث والرحلة عادة الحفاظ المُبَرَّزين ولا يحْمِلَنَّه الشَّرَه على التساهل فى السماع والتَّحَمُّل فَيُخِلَّ بشىء من شُروطه وينبغى أن يَسْتَعْمِل ما سمعَه من الأحاديث فى الصلاةِ والأذكار والصيام والآداب وسائر الطاعات فذلك زكاةُ الحديث كما قاله العبد الصالح بشر الحافى رضى الله عنه وقال وكيع رحمه الله إذا أردتَ علم الحديث فاعمل به .
فصل وينبغى أن يُعَظِّمَ شيخَه ومَنْ يسمعُ مِنه فذلك من إجلال العلم وبه يُفْتَحُ على الإنسان وينبغى أن يعتقد جلالة شيخه ورُجحانه ويتحرى رضاه فذلك أعظم الطرق إلى الانتفاع به ولا يطوِّل عليه بحيث يُضْجِرُه فإنه يُخافُ على فاعل ذلك الحِرْمان وقد قال الزهرى إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب وينبغى أن يستشير شيخَه فى أموره وما يشتغل فيه وكيفيةِ اشْتِغالِه فهو أحرى بانتفاعه .
فصل وينبغى لمن ظَفِرَ من الطلبة بسماع شيخ أن يُعْلِمَ به من يرغب فى ذلك فإن مَنْ كتَمه يُخاف عليه الخِذْلان وذلك من اللُّؤْمِ الذى يقع فيه جهَلَةُ الطلَبة ويظنون بذلك أنهم يُحصِّلون ما لا يُحصِّل غيرهم وذلك جهل فإنه يُخافُ ذهاب ما معهم بسببه ومِن بركةِ الحديثِ إفادةُ بعضِهم بعضًا وبإنْفاق العلم ونشره ينْمِى .